تكوين الرأي القومي الحقيقي، والعمل على تنشئة جيل مثقف بل مسلح بثقافته القومية، يعتبر أمراً غاية في الأهمية لا بل مفتاح صمود وبقاء الأمم وعدم تلاشيها في مد ثقافات الأغلبية التي تسعى وبجل الطرق الشرعية منها وغير الشرعية لمحو الهوية القومية للشعوب المتأخية معها، لاسيما المكونات الإثنية التي تعرف اليوم بإسم " الصغيرة "، والتي في غالبية تلك البقع التي تعيش عليها هي نفسها الشعوب الأصيلة. وفي هذا الجانب يلعب الإعلام بأنواعه، دوراً محورياً في تكوين الخطاب القومي، الذي يؤسس لثقافة قومية ناضجة بنضوج ذلك الفكر. كونه يخاطب عامة الشعب بفئاته المختلفة، مستعيناً بلغات متباينة بتباين المستوى الثقافي والفكري لطبقاته، وكل كاتب أو باحث ينازع لإيصال أفكاره بالطريقة المثلى التي يفهمها المتلقي، فيرتقي لمستواه وينزل كذلك، ليصوغ أفكاره بلغة سلسة يتقنها ويهضم محتوياتها بدون جهد أو عناء.
وشعبنا (الكلداني السرياني الأشوري)، الموزع على عدد من الدول الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، يعتبر إحدى الشعوب التي تعاني من معضلة صهر الثقافة والهوية القومية والدينية منذ قرون خلت. وقد إنبرى العديد من الكتاب والباحثين والآدباء لهذه المشكلة، وكل منهم وحسب إمكاناته ورؤيته حاول تحديد المشكلة وأطرها وإيجاد الحلول المناسبة لها.
الكاتب "يونان هوزايا"، يعتبر أحد أعلام شعبنا الذين حاولوا ومن خلال مقالاتهم القومية التي صاغوها بطريقة سلسة ولغة مفهومة، الوقوف عند هذه المشاكل ودق ناقوس وتحذير أصحاب الشأن والمؤسسات القومية والدينية وعامة الشعب من الخطر المحدق بهم.
فبالرغم مما بذله الكاتب من جهد، إلا أننا نشعر وفي عدد من مقالاته والتي إنتقيناها لتكون محور بحثنا هذا، بأنه لم يستطيع تجاوز هويته الحقيقية الآدبية، وفي محطات أخرى نراه يخلط بين الخطاب القومي الشامل، والخطاب الحزبي الفئوي، محاولاً جذب القاريء إلى صفوف وفلسفة المدرسة التي ترعرع فيها وتخرج منها.
وفي معرض قراءتنا هذه، سنسلط الضوء على (4) مقالات قومية إخترناها لأهميتها من بين مجموعة من المقالات التي نشرها الكاتب في كتابه المعنون " محطات .. ونجوم"، والصادر عام 2012.
المقالة الأولى: ( التسميات المتعددة.. حقيقة وإشكالية).
فلو بدأنا من إسم المقال، نرى أن الكاتب قد وضع عنواناً جذاباً، وهذا يدل على حنكته، كما إن في إسم المقال من الجرأة الكثير كونه يؤكد على أن مشكلة التسمية القومية القائمة إلى يومنا هذا، هي بالفعل مشكلة حقيقة وإشكالية يجب عدم تغاضيها والمرور عليها مرور الكرام، بل الإعتراف بها والعمل على حلحلة عقدتها التي أفقدتنا وعبر قرون طوال فرصاً ذهبية كثيرة، وفي ذات الوقت أعادة قضيتنا إلى الوراء أشواطاً عديدة إن لم نغالي في قولنا بأنها قد أعادتنا إلى المربع الأول. مقدمة مقاله، فيها رسالة قوية لمن يسعون لزرع الشقاق في صفوف شعبنا الواحد الموحد بإختلاف تسمياته وطوائفه وكنائسه، حيث يخاطبهم قائلاً:" هؤلاء نحن اليوم.. أحفاد ذلك المجد، نعرف بعدد من تسمياتنا التراثية التي هي ملك لنا، لشعبنا، جاءت في خضم مسيرة تأريخية طويلة تمتد آلاف السنين وعبر مراحله المختلفة، ولكننا دوماً شعب واحد، يناضل في وطنه من أجل حقوقه وإقرار رسمي بهويته".
يمضي الكاتب في مقاله، ويحاكي القاريء بإسلوب سلس شيق، ولغة بسيطة بعيدة عن التعقيد والتعذيب، مدركاً الحقيقة الأولى والأخيرة في الكتابة، وهي أن الكاتب يخاطب جمهوراً متباين الثقافات والمستويات، واضعاً نصب عينيه الهدف من الكتابة ألا وهو إيصال الفكرة والرسالة بأقصر وأسهل الطرق، لا التباهي بإستخدام المفردات المعقدة وعرض العضلات بالإستعانة وإشتقاق الجمل غير المفهومة المركبة، التي تجبر القاريء في الكثير من الأحيان إلى إهمال المقال.
ولكي يبرهن فكرته ورأيه، نراه يستشهد بالعديد من الأمثلة والشواهد والروايات التأريخية، ويضرب مثالاً للمشككين بفكرة الوحدة القومية، مخاطباً كل بالفكر الذي يؤمن به. مشبهاً الجدل الدائر بين أطياف ومؤسسات وكنائس شعبنا فيما يخص التسمية القومية الجامعة بالصراع الطويل بين أسبارطة وأثينا وهما شعب إغريقي واحد يمثل دولة اليونان الحالية. وليثبت كلامه يستشهد بتأريخ الكنيسة وكلام رجال الدين، والإعلاميين، والمؤرخين، وقادة شعبنا الخالدين ممن قطعوا الشك باليقين في مسألة الوحدة القومية، ويخاطبهم بحقائق لاشك في مصداقيتها، قائلاً:" هناك حقيقة موثقة بالمستمسكات أيضاً وهي أن بطريرك النسطوريين الحالي هو سليل لأخر كلدانياً قبل 150 سنة، وبالعكس البطريرك الكلداني الحالي هو سليل لأخر نسطورياً في نفس تلك الفترة". ويمضي في كتابته ضارباً مثالاً أخراً للسياسيين في الوحدة القومية إبان مشاركة أبناء شعبنا بوفد مشترك واحد يحمل هموم مجمل الشعب في مؤتمر السلام المنعقد بباريس عام 1919. ويعود ليؤكد على دعم نفس الفكرة من قبل الطبقة المثقفة من أبناء شعبنا في كتاباتهم ومطبوعاتهم القومية، أمثال المناضل فريد نزها في المجلة الجامعة السريانية، وخطابات وكتابات كل من أغا بطرس وبولس البيداري وأدي شير وكثيرون غيرهم.
إلا أن مايؤخذ على الكاتب هنا هو خلطه بين العمل القومي والسياسي الحزبي، فبعد جل الأمثلة والحقائق القومية التي وضعها الكاتب بين أيادي القراء والتي كانت كافية ووافية للموضوع المطروح، إلا أنه يأتي ويستشهد بتجربة الحركة الديمقراطية الأشورية في موضوع التسمية القومية، ويؤكد على أن "الحركة تناولت الموضوع بسلسلة مقالات وكراريس لمكتبي التنظيم والثقافة والإعلام، سعياً من أجل وحدة شعبنا، وعزت بيتنا القومي". إلا أن الكاتب هنا نسي أو تناسى أن الحركة الديمقراطية وإن كانت قد أصبحت طرفاً في حل العقدة، هي نفسها كانت سبباً من أسباب ظهور العقدة من البداية أصلاً، وهنا نعيد لأذهان القاريء الكريم البحث الذي نشره قسم الثقافة والإعلام التابع للحركة الديمقراطية الأشورية عام 1992 تحت إسم
( الآشوريون والتسميات المتعددة)، وهذا البحث هو نفس البحث الذي صدر عام 1991 عن نخبة من المثقفين الآشوريين تحت عنوان ( الكلدان.. مذهب أم قومية..). وفي تلك الفترة لم تكن التسمية القومية مطروحة على صعيد الساحة القومية كما أمست عليه منذ مطلع الألفية الثانية ولغاية يومنا هذا، ومقدمة البحث تثبت كلامنا هذا حيث جاء فيها:" مايثار من إستفسار ونقاش حول موضوع البحث مع رفاق حركتنا الديمقراطية الآشورية من قبل جمهرة واسعة من المواطنين ومن كوادر وأعضاء الأحزاب الصديقة". وهنا يتبين لنا بأن مشكلة التسمية لم يكن لها وجود بين أبناء شعبنا، بل الهدف كان رسالة إلى المواطنين وكوادر الأحزاب الصديقة لاغير. ومن يقرأ الإستنتاجات والخاتمة التي خرج بها البحث ستتضح له أن هذا البحث لم يأتي بأية فائدة لشعبنا ومشروعه القومي ووحدته، بل بالعكس ضرب الوحدة في الصميم وعليه أصبح البحث بمثابة ورقة سياسية وإعلامية رابحة بأيادي المحسوبين على شعبنا أولئك الذين يغلبون مصالحهم الذاتية على المصلحة القومية، ومنذ تلك الفترة تحركت جهات داخلية وخارجية لدعم أجندة تلك الشخصيات بغية إضعاف الدور القومي الآشوري ولوي ذراع أحزابنا القومية.
ويسطرد الكاتب:" من الجدير أن نستعرض تجربة الحركة الديمقراطية الآشورية التي إستخدمت منذ تأسيسها التسمية الآشورية". وهنا تتكون مجموعة من الأسئلة التي كان على الكاتب أن يسألها لنفسه قبل أن يكتب الجملة التالية ومنها: هل الحركة الديمقراطية الآشورية وحدها من تبنت التسمية منذ تأسيسها؟ وماذا عن الأحزاب الأخرى ( الحزب الوطني الآشوري، الإتحاد الآشوري العالمي، حزب بيت نهرين الديمقراطي، حزب أثور، المنظمة الآثورية الديمقراطية..) وجميع هذه الأحزاب تفوق الحركة تأريخاً؟ ولابد الإشارة هنا إلى أن الحركة الديمقراطية الاشورية هي التي قادت المؤتمر القومي الكلداني السرياني الاشوري المنعقد في بغداد (22-23/تشرين الثاني/ 2003)، وكانت عرابة الإسم القومي المركب، الكلدو أشوري السرياني. فحشر الفكر الحزبي في الخطاب القومي أفقد المقال موضوعيته كمقال قومي بحت، وهذا لايعني أننا لانعتبر الحركة جزءاً من الحركة القومية وخطابها جزءاً من الخطاب القومي والوطني، إلا أننا نجد أنه من غير المنصف إختصار التجربة القومية والنضال القومي لشعبنا في تجربة فصيل أو مؤسسة مهما كان دورها وقوتها وتاريخها.
وقبل أن يختتم الكاتب مقاله، ولإيمانه بأن مسألة إثارة المشكلة وعرضها بالنسبة لأي مثقف أو متنور لاتعتبر ذي أهمية مقارنة بالحلول والعلاجات المطلوبة لتفادي تناميها وتفشيها، لهذا نجده ينبري لعرض إستنتاجاته التي تؤلف في مجملها عقدة الموضوع، ويضع بين أيادي الخيرين من أبناء شعبنا جملة من النقاط التي يرى فيها حلولاً ملائمة لعلة التسمية التي أمست تؤرق الجميع دون تمييز.
ويختم كلامه بجملة على القاريء والمؤمن بقضيته القومية الوقوف عندها وقرائتها بروية وتحليلها قبل أن يطلق أحكامه النهائية، فيقول:" ندعو للعمل القومي من أجل قضايانا المصيرية الأهم، فلو ضاعت حقوقنا فسوف لن يكون هناك في المستقبل لا كلداني ولا أشوري ولا سرياني ...
المقالة الثانية: ( مشروع سهل نينوى).
كعادته فإن الكاتب يختار موضوعاً غاية في الأهمية لطرحه ومناقشته إعلامياً وفكرياً. وعن هذا المشورع المهم الذي هو حلم كل قومي غيور من أبناء شعبنا، يقول:" حتى الأن ـ حسب علمي ـ مامن مشروع منجز وواضح ومتفاهم عليه، بل مجرد وجهات نظر متباينة، وطروحات غير أكاديمية لإدارة شعبنا في سهل نينوى". فالمتمعن في هذه الجمل القصيرة، الثقيلة فكرياً، يشعر ويحس بمدى إهمال مؤسساتنا وأحزابنا وكنائسنا. فبعد مرور أعوام على تحرير سهل نينوى لازلنا نقف عند المربع الأول، وجل مانملكه ما هو إلا مجرد وجهات نظر وطروحات ومزايدات سياسية. كما يتطرق الكاتب إلى نقطة غاية في الأهمية، ألا وهي مسألة الإستفادة من قدرات وكفاءات الأكاديميين والمختصين من أبناء شعبنا في مثل هكذا مشاريع إسترتيجية، فمع شديد الأسف لازالت الطبقة الأكاديمية بعيدة ومستبعدة من جل المشاريع القومية.
وبجرأة أكثر يقولها الكاتب بأن الشعب المسكين أصبح ضحية الطروحات السياسية التي تطرحها هذه الجهة وتلك، حيث أمست الصورة مشوهة أمام الجماهير للحكم عليها.
وما يؤخذ على الكاتب في مقاله هذا، أنه إختار عنواناً عاماً وغير جذاب لمقال بهذه الأهمية، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن الكاتب إنحاز لصالح طرف دون أخر حيث يقول:" التفسيرات والإعلام المرافق لمشورع الحكم الذاتي، مقابل الإدارة الذاتية". فالتفسيرات والإعلام جاءت أيضاً من طرف الجهات الداعمة لمشروع الإدارة المحلية ضد الفريق والجهات المؤيدة لمشورع الحكم الذاتي، هذا المشروع المطروح منذ عقود وليس وليد فترة مابعد السقوط 2003.
إضافة إلى أن الكاتب قد خالف إسلوبه المعهود بإعطاء إستنتاجاته وحلوله لكل مشكلة أو موضوع يتناوله.
المقالة الثالثة: ( توحيد الخطاب السياسي القومي).
يعتبر هذا المقال من المقالات المهمة التي كتبها الكاتب في الشأن القومي، رغم أني أجد أن عنوانه لايجذب القاريء، ولايثير في داخله الفضول لقراءته، وكان من الأفضل أن يشير الكاتب في عنوانه إلى المشكلة أو الطرح الذي يرغب بتقديمه في سياق مقاله، وهذه النقطة تعتبر الأهم في أسس صياغة إسم المقال . وفي هذا المقال يعود الكاتب إلى إسلوبه المعروف ألا وهو تحديد المشكلة وتقديم الحلول الناجعة لحل عقدتها، فيثير مجموعة من النقاط المهمة على الصعيد القومي التي يمكن للفصائل القومية ومؤسساتنا العمل عليها في حال كانت جدية في رغبتها بالحفاظ على الوجود القومي لشعبنا ووحدة خطابه السياسي، ومشاركته بقوة في العملية السياسية، وحصوله على حقوقه كاملة، ومن هذه النقاط نذكر:" الإشتغال على الوعي والتنوير، خاصة في حث شعبنا على المشاركة في المحطات التي تمر بها العملية السياسية في العراق، من إحصاءات وإستفتاءات وإنتخابات،". الكاتب هنا يوجه إنتقاداً مبطناً لمؤسسات وأحزاب شعبنا دون أن يسميها بالإسم، فيحملها مسؤولية ضعف الوعي والتنوير القومي، وبالتالي تأثيرها السلبي والواضح على النتائج الإنتخابية من جهة، وضعف تمثيلنا في المؤسسات الوطنية بحجة تدني عددنا. وبخصوص المشكلة التي برزت إلى العلن في السنوات الماضية وهي التسمية القومية في الإحصاء الوطني، وإضافة حقل تحت مسمى القوميات الأخرى، لايخفي الكاتب مخاوفه من كل هذا فيطرح سؤالاً مفتوحاً" كم من أبناء شعبنا ستسجل أسماؤهم في حقل القوميات الأخرى"؟ ونحن بدورنا نسأل أيضاً لحد اليوم مالذي فعلته أحزابنا ومؤسساتنا لتنوير أبناء شعبنا في هذا الخصوص؟
المقالة الرابعة: ( 5 مقاعد ÷ 4 قوائم ).
في هذه المقالة يسلط الكاتب الضوء على البرنامج الإنتخابي لقائم أبناء شعبنا المشاركة في إنتخابات برلمان إقليم كوردستان ـ العراق، ويحاول جهده لتحليل دور ومواقف وثقل وحتى إبراز درجة قوميتها من خلال مواقفها وأجنداتها وسياستها وذلك وفق منظور الكاتب. فبعد المقدمة التي يعطيها عن القوائم والجهات التي إنضوت كل تحت إسم، يحاور الكاتب القاريء من خلال ثلاث نقاط مهمة وهي، الوحدة القومية، والتعليم السرياني ومصالح شعبنا. وهنا سأسلط الضوء على نقطة التعليم السرياني وأقف عندها كونها من النقطاط المهمة والتي يدور حولها الكثير من الكلام. الكاتب في مطلع حديثه عن دور التعليم السرياني في برامج القائمات الإنتخابية يقول:" القوائم عموماً تؤيد التعليم السرياني ضمن برامجها المعلنة ـ رغم عدم التركيز، ومنها من قام بجمع التواقيع في ـ مرحلة ما ـ ضد التعليم السرياني!! ولأن لي تجربة لابأس بها في الإدارة والتعليم السرياني ولازلت مستمراً في نفس السلك، فقد أجريت مجموعة إتصالات بشخصيات عاصرت عملية التعليم السرياني منذ بداياته، والبعض منها توجه إليه أصابع الإتهام دون ذكر الإسم، ومن الشخصيات التي إتصلت بها السيد كرستوف يلدا عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني والسيد روميو هكاري السكرتير العام لحزب بيت نهرين الديمقراطي، والسيد جونسن سياوش وزير النقل والمواصلات المستقيل في حكومة إقليم كوردستان، وقد أكدوا جميعهم على أن مشروع التعليم باللغة الأم يعتبر مشروعاً قومياً فكرته تعود إلى عقود مضت، ولم ولن يجرأ أي أحد من المؤمنين بقضية شعبنا على الوقوف ضد مثل هكذا مشروع. ويبدو بأن معارضة بعض الجهات لم تكن للمشروع بأكلمه كما أكد السيد هكاري وسياوش بل جائت على المناهج والشخصيات المرشحة، وألية التدريس فكان هناك رأيان أحدهما يرى أن تكون الدراسة باللغة السريانية وتدرس فيها جميع المواد، والرأي الثاني كان يجد أنه من الأحسن الشروع بتدريس اللغة السريانية والتربية المسيحية، والعمل مستقبلاً لفتح قسم اللغة السريانية وتهيئة الكادر اللازم وتوفير الأرضية الملائمة ومن ثم تحويل الدراسة كلياً إلى اللغة السريانية. وبعد سنوات من إنطلاق تجربة التعليم السرياني برزت بوادر مشكلة الكادر المتخصص لاسيما في الدروس العلمية، فمثلاً اليوم في إعدادية شميرام وللسنة الثالثة على التوالي تدرس مادتي الفيزياء والكيمياء باللغة الكوردية لعدم قدرة المديرية العامة للتعليم السرياني من توفير الكادر المختص لهذه المواد، وأمسى أولياء إمور الطلبة ينقلون أبنائهم إلى المدارس الكوردية بسبب عدم إيجاد حل لهذه المشكلة التي تتكرر سنوياً. والأهم من كل هذا حصر المكتسبات القومية وربطها بتنظيم واحد وهذا ما لم يكن لصالح شعبنا بل بالعكس أثر سلباً على التجرية بشكل عام. الكاتب يصر على أن المشروع ولد من فكر ورحم الحركة، وقد بذلت الحركة الديمقراطية الاشورية جهوداً كثيرة لإنجاحه وتشريعه في برلمان الإقليم عام 1992. وهنا أثني على الجهود التي بذلتها وتبذلها الحركة الديمقراطية الأشورية في مجال التعليم السرياني، إلا أن الكاتب نسي أو تناسى دور الخيرين والقوميين من أبناء شعبنا يومها في برلمان الإقليم أمثال المرحوم الشهيد فرنسو حريري الذي كان يترأس واحدة من أكبر الكتل البرلمانية وهي الكتلة الصفراء، وبدون دعم وتصويت أعضاء تلك الكتلة ماكان المشروع ليرى النور، هذا من جهة ومن جهة أخرى دور الأستاذ سركيس أغاجان الذي كان هو الأخر عضواً في برلمان الإقليم.أما بخصوص المصاريف الخاصة بعملية التعليم والمخصصات وتكاليف الطبع وترجمة الكتب وغيرها التي يحصرها الكاتب بالجمعية الخيرية الاشورية كالجهة الوحيدة الممولة للمشروع ولحد اليوم. فهنا سأذكر مثالاً بسيطاً عن دعم جهات أخرى تجاهلها الكاتب أو لم يقف عند دورها القومي والذي لابد من ذكره إنصافاً للحقيقة والبحث الأكاديمي، وتفادياً لكتابة تأريخ مشوه، ناهيك عن الخدمة القومية التي أسداها لأبناء شعبنا بكافة إنتمائاتهم. الدراسة السريانية بدأت في قرية ديانا منذ العام 1995، وديانا تعتبر المنطقة الأولى التي شرعت بالتدريس باللغة الأم في عموم محافظة أربيل، حيث إفتتحت أول مدرسة حكومية لتدريس اللغة السريانية تحت إسم (مدرسة أشوربان الإبتدائية السريانية المختلطة). تطورت الدراسة في القرية بجهود أبناء القرية وروحهم القومية وتعلقهم بلغتهم الأم، وفي العام 1998 إفتتحت (متوسطة شميرام السريانية المختلطة) وبعد سنوات تحولت المتوسطة إلى ثانوية ولازالت إلى يومنا هذا. وبسبب عدم توافر البنايات المدرسية فأن كلتا المدرستين كانتا تداومان بدوام واحد في بناية واحدة، وفي بيئة غير صحية وتربوية وحتى إنسانية، وإستمرت الدراسة على هذا المنوال حتى العام 2006، حيث مشكوراً أستجاب السيد سركيس أغاجان لطلب المدرستين وإستحصلت الموافقة لبناء مدرسة وتأثيثها، وبعد حوالي عام شيدت المدرسة مع دار للمدرسين وأخرى للحارس، حيث بلغت كلفة بناء المدرسة أكثر من (600،000،000) ستمائة مليون دينار عراقي، كما تم مد شارع خاص للمدرسة بلكفة (37,000,000) سبع وثلاثون مليون دينار عراقي، وكذلك إيصال الطاقة الكهربائية بكلفة (25،000،000) خمس وعشرون مليون دينار عراقي، وبناء ملعبين أحدهما لكرة الطائرة والسلة، والثاني من التاتان وخاص بكرة القدم المصغرة بكلفة (15،000) دولار أمريكي، إضافة إلى شراء سيارة نوع بيكاب للمدرستين بقيمة(170،000 دولار أمريكي)، وتعيين سائق خاص، وتخصيص مبلغ قيمته (40،000،000) أربعون مليون دينار عراقي لتأثيث المدرسة، كما خصصت نثرية سنوية لإدارة ثانوية شميرام السريانية، وتم تجهيز طلابها بالزي الرسمي لثلاث سنوات متتالية. كما شيدت روضة عصرية خاصة لأطفال القرية تحت إسم (روضة نينوى) حيث بلغت كلفة البناء (580،000،000) خمسمائة وثمانون مليون دينار عراقي، وتم تأثيثها بأحدث الأجهزة وأرقى التأثيثات وبلغت كلفة التأثيث الكلية (96،000،000) ست وتسعون مليون دينار عراقي. هذا دون أن ننسى دور الأستاذ سركيس في تعيين غالبية المعلمين والمعلمات اللذين كانوا بمثابة النواة الأولى المؤسسة لمدرسة أشوربان الإبتدائية، فقام بالتوسط لهم لدى الجهات المعنية في تربية مصيف صلاح الدين يومها، وذلك بعد إنقسام الإدارتين نتيجة الحرب الأهلية بين الحزبين الديمقراطي الكوردستاني والوطني الكوردستاني. فهل من المنصف أن نتجاهل كل هذا الدعم الذي قدمه هذا الإنسان للتعليم السرياني في قرية صغيرة مثل ديانا؟. وللتأريخ لابد أن نذكر الدعم الذي قدمه مشكوراً السيد روميو هكاري السكرتير العام لحزب بيت نهرين الديمقراطي، الذي لبى كل طلب قدمته له إدارة ثانوية شميرام ، وتحمل نفقات ترميم أقسام من المدرسة، وتكفل مرات عديدة بتوفير القرطاسية المطلوبة لإدارة المدرسة والمخصصات الخاصة بنقل الأساتذة الخارجيين من أربيل أو سهل نينوى. أما بخصوص نقطة تكاليف الترجمة والطبع فهذا بحث أخر يحتاج إلى الوقوف عنده مطولاً، لأن معظم تكاليف الطبع والترجمة تتحملها وزارة التربية في حكومة إقليم كوردستان العراق، وأسماء المترجمين مطبوعة على الصفحات الأولى من كل كتاب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إن لم يكن كذلك فلماذا تقوم اللجنة المعنية بالترجمة والطبع، بطبع وترجمة كتب التأريخ التي تمجد القاتل سمكو شكاك كبطل قومي؟! ولماذا تترجم وتطبع كتب تحت إسم ( جينوسايد الشعب الكوردي)، ونحن ليس لنا في تلك الكتب وفحواها لاناقة ولاجمل!! كما إن هناك نقطة غاية في الأهمية نراها تتكرر في مقالات الكاتب وهي إستخدام إسلوب الغائب في الكلام، والتردد في ذكر الأسماء، فنراه يستخدم مفردات مثل الأخرون، هذه التشكيلات.. وهذا التردد أو التحفظ في ذكر الأسماء يضعف المقال وموقف والرسالة التي بصددها صاحب المقال، فأي خبر أو معلومة مبنية على مصدر مجهول تعتبر باطلة ولايعمل بها لا في المجال الإعلامي ولا القانوني.
الخاتمة والإستنتاجات:
في النهاية أجد أن الكاتب قد إختار مجموعة عناوين مهمة تصدى لها بلغة سلسة ومفهومة وقريبة إلى كافة المستويات الثقافية واللغوية للمتلقي، كما إنه قد قدم الكثير من الحجج وأورد العديد من الأمثلة التي من خلالها حاول أن يبرهن مايصبوا إليه ويكسب ثقة وود القاريء، وفي عين الوقت نجد أنه يختتم كلامه وفي معظم مقالاته بخاتمة وإستنتاجات مقرونة بالحلول. إلا أنه لم يكن موفقاً في إختيار عناوين معظم مقالاته التي إفتقرت إلى الجاذبية، ناهيك عن عدم نجاحه في الجمع أو المزج بين الخطابين القومي والحزبي، وإستشهاده بالعديد من الأمثلة والتجارب الحزبية للجهة التي كان ينتمي إليها كمبررات لكلامه والتي كان من الممكن جداً عدم ذكرها وتجاوزها لأنها في النهاية لم تضف شيئاً إلى المقال بل بالعكس، أضعفته وأبعدته عن فلسفة الخطابات القومية.