EnglishالعربيةSyriac

الاب البير ابونا باحث اصيل

16 مارس، 2022

امير حراق – جامعة تورنتو 

الاب البير ابونا غني عن التعريف من خلال بحوثه القيّمة ولكنني عرفته منذ ستينات القرن الماضي في معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل. درسني اللغة السريانية واعطاني الفرصة لكي اركز اهتمامي على التواريخ السريانية وقد نشرتُ عددا منها في السنوات الاخيرة. ولو ان الاب البير ابونا نشر العديد من الكتب والمقالات بلغة الضاد ولكني سأركز عما نشره هو عن التواريخ السريانية باللغة الفرنسية وكان يتقنها.

التواريخ السريانية تمتد على الاقل منذ القرن السادس كما في تاريخ الرها الذي ضم نصا عن طوفان الرها لسنة 201 ميلادية زمن الملك ابجر ابن معنو ومرورا بتاريخ يعقوب الرهاوي (ق 7) وتاريخ زوقنين (ق 8) ثم التاريخ الضخم الذي كتبه البطريرك ميخائيل الكبير (ق 13) واخيرا تواريخ ابن العبري العالم القدير (ق14).

ترجم الاب البير ابونا الجزء الثاني من تاريخ سنة 1234 باللغة الفرنسية وتحتوي ترجمته على 300 صفحة تقريبا. هناك نسخة سريانية وحيدة لهذا التاريخ وتعود لنهاية القرن الرابع عشر أي مئة سنة تقريبا بعد كتابة هذا التاريخ الذي يتناول خاصة فترة الحملات الصليبية.

يبدأ هذا الجزء من التاريخ من ص1 الى ص 181 أي زمن هارون الرشيد الذي شن بعض حملاته العسكرية ضد الدولة البيزنطية شرقا مما يعني ان المؤلف كان على اطلاع وثيق حول هذه الاحداث لانه عاش في مدينة الرها التي هي على طريق الحملات.

الجزء الاخر من تاريخ 1234 يتناول الاحداث الكنسية فيبدأ من ص 182 الى ص260 ويتحدّث ليس فقط عن كنيسته السريانية الارثذوكسية بل ايضا عن الكنيسة القبطية والكنيسة البيزنطية. منذ عهد البطريرك ديونوسيوس التلمحري توثقت العلاقات الثنائية بين السريان والاقباط حيث ان الخليفة المأمون قد ارسل البطريرك الى مصر منتصف القرن التاسع حول الاقباط في الدلتا الذين انقلبوا على العباسيين بسبب تعسف عمّالهم مع هؤلاء السكّان المساكين.

تاريخ 1234 الذي يتعامل مع التاريخ المدني والكنسي في نفس المؤَلّف غيّره الملفان ابن العبري إذ فصل التاريخين ووضعهما في كتابين مختلفين. كتب الأوّلين بالسريانية كما وكتب مختصر التاريخ المدني تباعا.

لا زلت اتذكرفي نهاية الستينات من القرن الماضي عندما ترجم الاب البير هذا الجزء المهم من تاريخ 1234 وكان يستشير الاب المرحوم العلامة جان فيي حول بعض الكلمات الغريبة في هذا التاريخ. كان الاب البير ضليع باللغة السريانية فترجمته لهذا التاريخ هي ليست فقط صحيحة بل وايضا سلسة. ليس من السهل ترجمة كذا تاريخ إذ تتخلل اللغة السريانية الفاظ يونانية وارمنية وعربية اضافة الى كلمات فرنسية قديمة.

هذا مثل من التاريخ مترجم من كتاب الاب البير الى العربية:

 "سنة الف واربعة مئة وخمسة (صحّحها الاب البير الى 1094) التي هي [سنة] 1098 من مجيء الرب (صحّحها الاب البير الى 1096) والسنة الهجرية 472 (صحّحها الاب البير الى 492؟) والسنة الواحدة والخمسين منذ استولى الاتراك على هذه البلدان . كان ملك القسطنطينية اليكس وفي انطاكيا مَلكَ اكسين التركي (... إضافة الى بعض السلاطين في المدن الاخرى) . في هذا الزمان توجه ملوك فْرَنْكيون عديدون وأناس نبلاء وجنود وعمال في مختلف الصنائع (....) ومطارنة ورهبان، توجهوا ارضا نحو الاراضي اليونانية ... الى القسطنطينية ..."

يشير هذا التاريخ الى ان الصليبيين ارادوا اضعاف الدولة البيزنطية قبل الاستيلاء على مدينة القدس.

عمل المترجم الاب البير أبونا في الترجمة:

(1) صحّح التواريخ المغلوطة في التاريخ السرياني وفي هذا حس نقدي للمترجم فهو لا يقبل معطيات التاريخ عمياويا. المشكلة تكمن في مقارنة السنة السلوقية والسنة الغريغورية (اي المسيحية) فالسنة الاولى تبدأ في 311 قبل الميلاد ولكن تاريخ 1234 يحسبها من سنة 310 كما في تاريخ البطريرك ميخائيل.

(2) قارن الاب البير بين معطيات التاريخ السرياني مع معطيات تاريخ ابن الاثير العربي. الفرق بين كتابة التاريخ لدى السريان وبين ابن الاثير كبير فالمؤرخ السرياني يسرد الاحداث فقط اما ابن الاثير فينفعل (كلما يذكر الصليبيين يضيف "لعنهم الله" !!!)

(3) قارن الاب البير بين تاريخ 1234 وتاريخ البطريرك ميخائيل الكبير إذ ان كليهما تكلما عن الصليبيين. تاريخ 1234 مهم لان الصليبيين جعلوا من مدينة الرها أول إمارة صليبية قبل ان يداهموا مدينة اورشليم.

(4) يضيف المترجم شروحات مهمة عن الاشخاص اذ أن كاتب التاريخ يعرفهم فلا يضيف، معلومات اخرى ولكن القارئ المعاصر لا يعرفهم، فالاب البير يضيف معلومات عن الاشخاص والاماكن خدمة للقاريء المعاصر.

(5) يضيف المترجم معلومات استقاها من تواريخ سريانية وعربية بعضها مهمة تاريخيا. فالاعتقاد السائد هو ان الصليبيين استولوا عسكريا على مدن الشرق الاوسط وهذه معلومة مغلوطة لسببين:

(أ) عندما اتى الصليبيون الى الشرق كان للعرب مشكلة اكبر وهي استيلاء الاتراك على الاراضي العربية فلم يهتموا كثيرا بمجيء الصليبيين. مفهوم "الحملات الصليبية" يعود للقرن التاسع عشر فالمفكرون العرب آنذاك بدؤا بمقارنة اوربا المسيحية مع الشرق الاوسط الاسلامي وهنا الطامة الكبرى !

(ب) في حاشية كتبها الاب البير (ص53 حاشية 4) يقول : " فدا (الصليبي) جوسلين من الجوالي (والي محلي) بودوان الصليبي بمبلغ من المال..." يبدو ان العلاقات بين الصليبيين والعرب كانت تقام على مبالغ من المال وليس على حملات عسكرية!