EnglishالعربيةSyriac

الأب البيرأبونا: مسيرة عطاء

16 مارس، 2022

ا.د. عادل هامل الجادر

عميد كلية اللغات في جامعة بغداد سابقا

لا يمكن أن يختصر العطاء العلمي الثر الذي تميز به المرحوم الأب البيرأبونا على مدى سبعة عقود خلت ببضع دقائق معدودات. ومهما يكن من أمرفإن ذلك لا يمنعنا من التوقف عند أبرز المحطات العلمية  التي كان له فيها شأن بارز في عملنا الأكاديمي منذ ان كنت طالب  دراسات عليا في إنكلترا أواسط سبعينيات القرن الماضي وبعد ذلك كأستاذ للغات السامية  في كلية الآداب ثم في كلية اللغات بجامعة بغداد.

لقد كان لي شرف التعرف على الأب البير أبونا في دير الآباء الكرمليين الواقع في كرادة مريم ببغداد في سبعينيات القرن الماضي حيث التقيت به لأول مرة عندما كنت أعد رسالة الماجستير عن دير مار بهنام قرب الموصل، فأرشدني الى مجموعة من الكتب والمجلات والمقالات  التي كان لها دور فاعل في ترصين عملي البحثي. لم أكتف بذلك فحسب بل طمعت بالأستزادة من علمه وعمله في علوم اللغة الارامية وآدابها حينما شرعت بعمل رسالة الدكتوراه عن النقوش السريانية القديمة والتعمق بدراسة خطها ولغتها واسماء الأعلام فيها، فكان خير عون لي في توفير الأعمال المنشورة المهمة ذات العلاقة بالبحث.

ومنذ ذلك الحين أصبحت قريبا منه عبر التواصل المستمر معه  وزياراتي المتكررة  له عندما كان مقيما في بغداد.

ان البير أبونا علم يشار اإليه بالبنان من بين المختصين باللغة الآرامية وآدابها إضافة الى اهتماماته الأخرى في الدراسات التاريخية واللاهوتية، لا سيما تاريخ الكنيسة الشرقية، فقد أبدع فيها تأليفا وترجمة، حيث كانت لأعماله العلمية مساهمة فاعلة في رفد المكتبة العربية والآرامية بالمراجع والمصادر التي عملت على تسهيل مهمة  الباحثين والأساتذة والطلبة، والإستعانة بها في إنجاز البحوث الرصينة ولسبر أغوار الدراسات الآرامية التاريخية واللغوية والأدبية والدينية، ذلك من خلال  الوثائق والنقوش القديمة لأجل الحفاظ عليها وصيانتها كإرث حضاري يمتد تاريخيا لأكثر من ثلاثة الاف سنة، حيث وصف  الأستاذ سبيستيان بروك، المختص بالدراسات الآرامية والسريانية،  اللغة الآرامية بقوله إن "التراث الآرامي يشبه إلى حد كبير لؤلؤة مخبأة في غبار التاريخ ، في انتظار إعادة اكتشافها".  لذا دأب البير أبونا على إزالة غبار السنين عن الآرامية فجاءت أعماله لتشكل  صرحا علميا ضخما استحق عليه وبجدارة الثناء والتقدير من لدن علماء كبار ومختصين على مستوى العراق والمنطقة العربية واوربا.

للبير أبونا حضور متميز في أعمال ترجمية عديدة  استعنا بها في اشتغالتنا البحثية، لعل من أهمها مقالة العلامة الفرنسي دوبنت سومير بعنوان (الآراميون) التي ترجمها من الفرنسية الى العربية  في مجلة سومرعام 1963 التي تصدر عن دائرة الآثار والتراث في بغداد. كما ترجم  كتاب جون بوتيرو (بلاد وادي الرافدين: الكتابة/العقل/ الآلهة) وكتاب (المعتقدات الدينية في بلاد وادي الرافدين)  لمؤلفه رينيه لابات حيث ترجمه من الفرنسية مع المرحوم الدكتور وليد الجادر.

من أعماله في الترجمة من الفرنسية  إلى العربية وبالأشتراك مع الدكتور وليد الجادر أيضا هو (قاموس العلامات المسمارية) لمؤلفه رينيه لابات والذي قام المجمع العلمي العراقي بنشره في سنة 2004. ومن الجدير بالذكر فان  الأب البير أبونا والدكتور وليد الجادرعكفا على ترجمة القاموس ونقله الى العربية "منذ اكثر من عشرين سنة، إلا أن طريقة ترجمة القاموس وذكر معاني المفردات الفرنسية بشكل مستقل عن المفردات االسومرية والأكدية التي تعود لها، جعل مهمة طبع الكتاب داخل العراق أو خارجه مهمة صعبة". ونظرا لأهمية وفائدة القاموس العلمية  للباحث والدارس، فقد تم طرح موضوع نشره في أحد اجتماعات فرع اللغات القديمة من خلال دائرة التراث العربي والأسلامي في المجمع العلمي، حينئذ كلّفنا المرحوم الدكتور عامر سليمان  رئيس فرع اللغات القديمة بالأتصال بالبير أبونا لنشر القاموس على نفقة المجمع العلمي العراقي،  وعندما أخبرته برغبة المجمع العلمي بنشر القاموس المترجم رحب بالفكرة وابدى كامل استعداده للمباشرة بعملية النشر وفي نفس الوقت تم تكليف السيد خالد سالم اسماعيل من جامعة الموصل بمطابقة المفردات الأكدية والسومرية مع ترجمتها العربية. وبهذا العمل الكبير فقد تم سد النقص الذي كانت تعاني منه المكتبة العربية فيما يتصل بالعلامات السومرية والاكدية.

اما من أبرز مؤلفاته كتاب (أدب اللغة الآرامية) المنشور في بيروت سنة 1971. فقد أعان هذا الكتاب الباحثين والدارسين في معرفة الشخصيات الأدبية التي لها أثر واضح في الأدب الآرامي على مر العصور فلا مجال للإستغناء عنه عند الحديث عن الادب الارامي وتطوره.  

أما كتابه قواعد اللغة الآرامية المنشور في أربيل سنة 2001،  فقد جاء ملبيا لحاجة متعلمي الآرامية من الطلبة وغيرهم، بإسلوب علمي  منهجي واضح ويسير، أرتكز على أسس التحليل الصحيحة، مقترنا بتمارين لقياس قدرة المتعلم لاستيعاب الدروس الواردة فيه. فهو بهذا العمل  قد قام بواجبه تجاه هذه اللغة الجليلة وتراثها الأصيل، وأدى خدمة لأبناء وطنه الذي صارهذا الكتاب خيرَ معين لهم.

أجاد البير أبونا عندما عرض الفترات التاريخية التي مرت على الكنيسة الشرقية خلال العصور، كما تطرق الى نشأة الحياة الرهبانية وكذلك الرهبانية في الكنيسة الشرقية بإسلوب رشيق وسلس، كل ذلك جاء في الجزء الأول من كتابه الموسوم (تاريخ الكنيسة الشرقية) المنشور بالموصل سنة 1973. ما تم ذكره غيث من فيض، فأعمال الأب البير أبونا كثيرة ومتنوعة ما بين تأليف وترجمة أفادت المهتمين بالدراسات اللغوية  والأدبية والتاريخية واللاهوتية أساتذة وطلبة وباحثين. إذن  فالكثير من الأعمال المرتبطة  باللغة الآرامية أو الأدب الآرامي أو تاريخ الكنيسة الشرقية لا تخلو من ذكر البير أبونا من ضمن المصادر والمراجع المعتمدة في توثيق المعلومة الصحيحة والدقيقة.  وأخيرا وليس آخرا نسأل الله للأستاذ الجليل والعلامة القديرالأب البير أبونا الرحمة والغفران ولروحه الطاهرة السلام.