الأب ألبير هشام
الأب ألبير أبونا : عاش 94 عامًا، و70 عامًا في الخدمة الكهنوتية والرهبانية، أصدر 174 كتابًا بضمنها 57 بين تأليف وإعداد و117 ترجمة عن الفرنسية والآرامية، في مواضيع الكتاب المقدس والروحانيات والحضارة والتراث والتاريخ الكنسي الشرقي وغيرها... وكلّ مبتغاه من كتاباته أن يصل المسيح إلى النفوس، كما كنتُ أسمع منه شخصيًا وألتمس روحانيته وأنا أساعده في تنضيد وطباعة أكثر من عشرة كتب، وأنا لا أزال طالبًا في المعهد الكهنوتي (1999 – 2006) وبعد الكهنوت في إعداد الكتب التي نشرناها في دار " نجم المشرق " الثقافية ببغداد، حيث أعملُ أيضًا منذ عام 2012 إلى اليوم، وخصوصًا الأجزاء الستّة من " سِير الشهداء والقديسين " (2015 – 2016).
لا زلتُ أذكر إلى الآن القدّاس الذي أحتفل به الأب ألبير في كنيسة مريم العذراء سلطانة الوردية المقدّسة / بغداد، حيث خدم منذ عام 1995 وحتّى إحالته إلى التقاعد عام 2001، وذلك بمناسبة اليوبيل الذهبي لرسامته الكهنوتية، وشاركه فيه الأب (صاحب الغبطة والنيافة حاليًا) لويس ساكو، وكان وقتذاك مديرًا للمعهد الكهنوتي البطريركي، مشيدًا بالخِدم المتنوعة التي قدّمها الأب ألبير في كهنوته ؛ فهو المعلّم والمرشد والمصلّي والكاتب والراعي... وبقي مستعدًا لأي خدمةٍ تُطلب منه، حتّى في السنوات الأخيرة التي كان يستعين فيها بعكّازه وينظر بعينٍ واحدة ويعاني من ثقل الشيخوخة، ولكنّ روحه كانت متقدّة بالمسيح الذي آمن به...
نريد اليوم، في دار " نجم المشرق " الثقافية، أن نستذكر الأب ألبير أبونا الذي رحل عنّا يوم السبت 4 كانون الأول 2021 في أربيل، عبر مسيرته في مجلة " نجم المشرق " ؛ فهو عضوٌ في هيئة تحريرها منذ ولادتها، بقرار من سينودس أساقفة الكنيسة الكلدانية المنعقد ببغداد للأيام 3 – 5 أيار 1994، وإلى وفاته. فرافق المجلة خلال 26 سنة من إصدارها، ولا زالت لدينا مقالات بخطّ يده كان قد سلّمها للنشر قبل دخوله إلى مستشفى مريمانة، في شهر تموز الماضي بسبب تعرّضه لوعكةٍ صحيّة، ستُنشر تباعًا في الأعداد القادمة.
نستذكره اليوم من خلال مقالاته الـ150 التي نُشِرت في مجلة " نجم المشرق "، منذ العدد الأول الذي صدر عام 1995 وحتى العدد الحالي (109) الذي يصدر في عيد القيامة 2022. وهي مقسمّة كالآتي :
1. باب " تعرّف على كنيستك " : وهي سلسلة مقالات ضمّت (35) حلقة تعريفية عن تاريخ كنيسة المشرق.
2. باب " نصوص من تراثنا " : كتب (18) مقالة، تضمّ أغلبيتها ترجمةً عن نصوص كلدانية مُختارة تعكس روحانية وفكر كنيستنا المشرقية.
3. باب " تاريخنا المشرقي " : كتب (17) مقالاً وبضمنها سلسلة بعنوان " كنيسة المشرق " ضمّت 14 حلقة.
4. باب " صوت البابا " : ترجم فيها (17) خطابًا أو موعظةً أو كلمةً للبابا يوحنّا بولس الثاني، و(3) للبابا بندكتس السادس عشر. وأصبح عنوان الباب فيما بعد " صوت الراعي ".
5. باب " تعرّف إلى ديورتك " : سلسلة مقالات ضمّت (10) حلقات للتعريف بأهمّ الديورة المنتشرة في بلاد بين النهرين.
6. " الباب اللاهوتي " : كتب (9) مقالات يشرح فيها بأسلوب بسيط تعليم الكنيسة بخصوص مواضيع إيمانية مختلفة. كما كتب (5) مقالات في باب " اللاهوت والحياة ".
7. باب " الكنيسة الجامعة " أو " نشاط الكنيسة الجامعة " : له مقال ترجمه مع الأب د. بطرس حدّاد وآخر مع الأب عمانوئيل الريّس ومقالان آخران مترجمان، ومقال آخر كتبه. فيصبح مجموع ما كتبه في هذا الباب (5) مقالات. وكتب مقالاً واحدًا (1) في باب " وثائق الكنيسة الجامعة ".
8. باب " يوبيل الألفين " : ويضمّ مجموعة مقالات بمناسبة يوبيل الألفين الكبير لميلاد السيد المسيح، وكتب فيه (5) مقالات، اثنان منها مترجمة.
9. باب " الصلاة " : كتب (5) مقالات، بضمنها مقال مترجم، اهتمّ من خلالها بتعليم أُسس الصلاة المسيحية للقرّاء.
10. باب " شهود الإيمان " أو " حياة القديسين " : كتب (4) مقالات، استعرض فيها حياة قديسينا ليتّخذ منها القارئ عبرةً.
11. كتب مقالتين في الأبواب الآتية : " وجوه وشخصيات "، " الباب الأدبي "، " سؤال وجواب ".
12. وكتب مقالاً واحدًا في الأبواب الآتية : " الباب الروحي "، " تراثنا الروحي "، " سنتنا الطقسية "، " حياتنا الرعوية "، " آثارنا المشرقية والمسيحية "، " مريم العذراء "، " حوار الأديان والحضارات "، " أوراق رهبانية "، " علم الإنسان "، " متفرقات ".
**********
من خلال نظرة تحليلية بسيطة للمقالات التي كتبها الأب ألبير في مجلتنا، نودّ أن نشير إلى الملاحظات الآتية :
1. يتبين لنا الاهتمام الكبير الذي أولاه لتاريخ كنيستنا، فأغلبية مقالاته مُدرجَة في أبواب " تعرّف على كنيستك " و" تاريخنا المشرقي " و" تعرّف إلى ديورتك ". ولا عجب فهو أستاذ مادة تاريخ الكنيسة لسنواتٍ طويلة، ومؤلف لثلاثة أجزاء من " تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية " وغيرها.
إن الأب ألبير في مقالاته، كما في كتبه، التي تتطرق إلى تاريخ الكنيسة، يهدف بالدرجة الأولى أن يتعرّف المؤمنون على أحداث الخلاص التي صنعها ربّنا في كنيسته خلال القرون الماضية. فالجانب الروحي لا يغيب عن كتاباته، ولم ينسَ كهنوته حتّى في الجانب العلمي من حياته. إنه يضع فائدة المؤمنين وخلاصهم نُصب عينيه وهو يكتب تاريخ كنيسته، فالتاريخ بالنسبة له دروسٌ على مؤمني اليوم أن يستلهموا منها لحياتهم ! هذا هو الخطّ الذي تبنّاه الأب ألبير أبونا في تاريخ الكنيسة !
2. اهتمّ الأب ألبير باللغة الآرامية التي كان يدرّسها أيضًا، وهذا يتجلّى في مقالاته في باب " نصوص من تراثنا ". وهو يعتبر أحد المتضلعين بآداب هذه اللغة، ولكنّه كرّس علمه ومعرفته بها لينقل مبادئ الإيمان أيضًا من خلال اختيار نصوص ليتورجية لآباء وقديسين من كنيستنا حرص أن يتعرّف المؤمنون عليها بشتى الوسائل المتاحة.
سعى الأب ألبير إلى تحبيب اللغة الآرامية لمؤمنينا، وكم تمنّى أن يتعلّمها إكليروسنا خاصّةً ليكتشفوا الكنوز المخفية التي تركها لنا آباؤنا في الإيمان. إنه يوجّه دعوة لنا للعودة إلى الجذور الأصيلة لإيمان كنيستنا الكلدانية، مستفيدين من خبرة القديسين وسيرة الشهداء الذين رووا أرضنا هذه بدمائهم، فهم " شهود الإيمان ".
3. لم يكن الأب ألبير بعيدًا عن إيمان كنيستنا الجامعة، بل كان مطّلعًا جيدًا لتعاليم البابوات والكنيسة الكاثوليكية، وحريصًا على تقديمها للمؤمنين بترجمة سلسلة وبسيطة ومفهمومة للمؤمنين. وهذا ما نشهده في أبواب المجلة التي تتحدث عن الكنيسة الجامعة، وفي " الباب اللاهوتي " و" يوبيل الألفين "... الخ. إنه يجمع بين إيماننا الكاثوليكي والمشرقي، وهدفه في النهاية هو المسيح الذي كرّس حياته له.
ولذلك، أستطيع أن أشهد، كأحد تلامذة الأب ألبير أبونا، أن كتاباته جميعها لم تنفصل يومًا عن رسالة كهنوته وعن نشر ملكوت الله من حوله. تغمده الله برحمته الواسعة ولتكن كتاباته نورًا يهدينا إلى طريق المسيح.
( ) الدراسة نشرت اولا في مجلة نجم المشرق، العدد 109, السنة الثامنة والعشرون 2022, ص33-36.