الشعر الجيد والشعر الرديء
هناك رأي ينص على ان الشعر الذي يتصف بالديمومة و ليس له علاقة بالشكل وطريقة الكتابة او الالقاء بل هو الذي يجمع كل هذه الأشكال معا اضافة الى جمالية اللغة والصورة الشعرية ، ربما هذه الفرضية تكون في الشعر الكلاسيكي او الشعر الحر او غير ذلك .
هناك من الشعراء من يقوم بتقليد التجارب الشعرية الغربية بتصورهم بان هذه التجارب هي تجارب معاصرة وستكون اثراء لتجاربهم الخاصة هولاء بهذا الامر يفقدون خصوصيتهم والسؤال هو كم من هولاء نجحوا بهذا التقليد ؟ وكم منهم لم يحالفهم الحظ ؟ وهذا براي يعود الى المتلقي والنقاد ليحكموا بانفسم على مثل هذه المحاولات . تقليد للآداب الغربية خاصة في الشعر قد جاء نتيجة تطور الترجمة من هذه الآداب الى اللغات المشرقية ، كان الاولى بهولاء المقلدين ان يستفيدوا من الشعر الكلاسيكي ويعملوا على تطوير هذا المنحى من الشعر افضل لهم من هذا التقليد الخالي من الابداع ، لكونهم مهما فعلوا ضمن تجربة تقليد الشعر الغربي فانهم لن يصلوا به الى الإبداع الذي وصله الشعراء الغربيين وهم يكتبون ادابهم بلغتهم ، التراث الشعري الثر في مشرقنا يحتاج الى ان يأخذ به شعرائنا وأدبائنا للوصول الى الحالة الإبداعية وهذا ما هو كامن في الشعر الكلاسيكي .
* جناروك / متنزه سياحي في قضاء كويسنجق /اربيل
يونان هوزايا صوت شعري مجهول
الكتابات المتوفرة او تلك التي في متناول القاريء عن شعر الأديب يونان هوزايا لا تتجاوز صفحات قليلة من التعبيرات العاطفية عن شخصه او على تجربته الأدبية او الشعرية بلغة السورث، وجميعها اما باللغة السريانية او العربية .
وجميع ما وقع في أيدينا لحد الان كانت عن حياته وعن دوره في الصحافة واللغة، لذلك اي دارس أو ناقد لتجربة يونان الشعرية يجد نفسه في البداية أمام صعوبة في الاستمرار بتتبع مسيرته في الشعر بلغات اخرى غير السريانية ، لذلك كان يتوجب علي العودة الى قصائده خاصة في هذه المجموعة ألتي دونها باللغة الكوردية ، رغم ان يونان قد كتب باللغة السريانية وهو يعد ضمن الشعراء السريان ، ولا يمكن ان نعتبر تجربته هذه بشعر سرياني ، بل يجب اعتبارها ضمن تجربة الشعر الكوردي المعاصر ، رغم ان العديد من الأدباء السريان نتيجة قلة القرّاء باللغة السريانية كتبوا إشعارهم ونصوصهم بلغات اخرى منها العربية وهذا ما يؤخذ عليهم طبعا .
من الواضح ان الإصالة الشعرية والأدبية تكمن في المشرق وليس في الشعر الغربي وخاصة في استخدام الاسطورة والرموز الدينية والملاحم ، والاُدباء الغربيون تمكنوا من توضيف ما لدى المشرق من هذه الرموز والدلالات وتضمينها في أدبياتهم ، لان الأدب ينتقل شرقا وغربا بدون فيزا او جواز سفر ، والأديب ما هو الا مسافر عاشق للغة للقراءة ينتقل عبر الاوطان ، وهو لا يُسأل الا عن تجربته الخاصة فيما يكتب او يقرأ .
العشق في مجموعة يونان هوزايا
عندما اخضرت الارض في الربيع
حبيبتي عدت اليك
عدت اليك حبيبتي
كناي بيد راع
لنفتح اصابعنا
بشفاهنا الحمراء
نفتح الازهار والياسمين
في السهول والوديان
حالة تناول العشق عند الشاعر هوزايا تتجلى اكثر في تخيله لعالم اوسع ، بجغرافية لا حدود لها ولتكويناتها سواء بطبيعة ساحرة لقرى زاخو او توسعه نحو عالم اوسع، كما عند اكثرية الشعراء عندما يتناولون في نصوصهم حالة العشق والتي ليست بالضرورة ان تكون بين شخصين ، بل تتعدى الى مديات اوسع في المعنى ، كأن يكون العشق عندما يبذل الانسان او يضحي الانسان بذاته من اجل غيره ، العشق كأن يحمل الانسان شمعة نيرة أزلية تزيل حالة الظلمة عن طريقه وعن طريق اخرين غيره ، لذلك العشق قد يكون في اتحاد روحي ، سواء بين شخصين او بين شخص ووطنه او أمته ، او يتخذ شكل اخر كعشق الانسان للطبيعة بجمال أشجارها وحشائشها وعيون المياه والجبال والوديان ألتي تحيط بالإنسان فيدفعه بالتعلق بها عشقا، وهذا ما يدفعنا للجزم بأن العشق كاد ان يكون أقوى اواصر الحياة عند الانسان مع ما يحيطه وبالتالي يدفع بالانسان الى مواجهة الصعاب والالام و الى استمراريته بالحياة ، وعندما نقرأ مثل هذه الإشعار حول العشق ، ليس بالضرورة ان يكون العشق بين ذكر وأنثى ، ربما يكون كذلك ، ولربما تكون الأنثى ام او صديقة ، وكذلك يمكن ان يكون هناك ربط بين العشق والجمال وبين العشق وحالة التصوف ، والعديد من هذه الحالات التي تحدثنا عنها ضمن تناول حالة العشق في الأدب وفي اشعار المجموعة ، من الصعوبة إدراكها في هذا الزمن حيث ابتعد الانسان فيه عن زمن الرومانسية ، هذا الزمن الذي اصبح الشغل الشاغل للإنسان البحث عن التكنولوجيا والالة ، والانشغال بوسائل العيش التي تكاد ان تحطم إنسان في هذا العصر ، بالاضافة الى التاثيرات السلبية التي أدخلتها السياسة في مجتمعاتنا ، رغم سمو حالة العشق في الأدب وقدسيته الا ان هذا لم يثنٍ إنساننا في هذا الزمن من اعتبار حالة العشق هذه جنونا ، وخاصة اذا لم يحقق هذا العشق اية نتيجة او لم يتحقق ..
آلآم وعذابات الانسان والمجتمع عند يونان هوزايا .
معظم ما تناوله يونان من وقائع في شعره نبعت بالأساس من خياله ووجدانه ، فبالرغم من ان يكون الشاعر يعبر عما يختلج في ذاته، عن وهمومه وهواجسه يتوجب عليه تجاوز هذه الذاتية ليعير عن الام شعبه وبالتالي عن هواجس والام الانسانية جمعاء أينما تكون سواء في كردستان او في افريقيا او في المجتمعات البعيدة لآسيا أو لآمريكا للآتينية ، لان الشعر ما هو غير خطاب انساني عابر للمنطقية ليس الا ، ولغة الشعر اية لغة كانت يجب ان يوضفها الشاعر انسانيا، ولما كان الشاعر ملكا لكل الانسانية اينما كانت ، يتوجب عليه ان يتجاوز الايدولوجيا و الحدود الجغرافية ، فمثلا لو ان اي قاريء اجنبي يقرأ نصا شعريا يشعر بان ما دونه الشاعر يخصه ايضا لكونه يحمل ذات المشاعر التي يكنها هو تجاه الانسانية ، هكذا كيف اننا عندما كنّا نقرأ نصا او رواية في الماضي او في الحاضر لكاتب او شاعر روسي او لامريكا الاتينية او لألماني كنّا نشعر
بأنه يشارك همومنا وتطلعاتنا وهو يخصنا كما هو يخص لذلك الشعب وتلك الاوطان
النتائج
قرائتي للتجربة الشعرية ليونان هوزايا من خلال مجموعته ( ثلآث شجيرات وثلاثة ضيوف ) وهذ عنوان قصيدة جميلة في هذه المجموعة ، ترائى لي بان الشاعر يتمتع بمسؤولية وشعور خاص ، يريد ان يعبر عنها شعرا ويضع نتاج هذا الشعور بين يدي قرائه ، نتاج شعره في هذه المجموعة هو تجربة شعرية متكاملة وجيدة تحمل الام ومعانات الآخرين ، اللغة الشعرية لغة معبرة تتضمن معظم التكنيك الشعري، لذلك نجد أن معظم المضامين التي اختارها يونان هوزايا وعبر عنها شعراً تنتمي الى عصرنا هذا ، وتجري أشعاره بسلاسة وبدون عقد وصعوبات في اللغة ، وهو يتعامل بشكل إبداعي في الشكل والمضمون سواء في قصيدة واحدة او في مجموع قصائده ويستمد معظم ثيماتها الشعرية اما من الطبيعة او من التخيل ، يستخدم الصورة الشعرية ، يستحضر الماضي او يستشهد ببعض الصور الشعرية من التاريخ او من الاسطورة يوضفها بشكل إبداعي ملفت للنظر ، تجربته الشعرية رغم كونها ذاتية الا انها تحمل هموم انسانية ، وكل نص شعري اضافة لتعبيره عن شعور ، لكنه ايضا يحمل تجربته سواء في اللغة المستخدمة او في بعض التعابير التي يكثر من استخدامها في نصوصه الشعرية.
ومن كل هذا يمكن ان يستدل المتلقي على أن أي شاعر يلقي قصيدةً او كتبها ، بدون يذكر اسمه اذا كان له نهج خاص في التكنيك الشعري يمكننا من التعرف عليه بسهولة ، لكون ما يلقيه قد استخدمه قد كرره في معظم ما اصدره من مجموعاته الشعرية ، يقول المفكر والمتصوف ( شهاب الدين سهروه وردي ) ( كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ) مثل هذه التعبيرات الجميلة والفلسفية جعلتني ، في التجربة الشعرية ليونان هوزايا هذه ، ان ابحث واتقصى عن كل شيء وان أعيد النظر في تجربة بعض الشعراء الذين اصدروا او كتبوا أدبياتهم من اجل الاعلام فقط وبعض هولاء تمت الدعاية لهم بشكل جيد وخاصة من قبل بعض النقاد ، الذين من كثرة مديحهم لهولاء ، رسموا لهم هالة من الإعجاب والانبهار ، وهم أ صلا لا يستحقونها ، مما جعلهم يتلقون الهبات من جهات وشخصيات حزبية وحكومية كونهم شعراء بالحق والحقيقة، هولاء من خلال نتاجاتهم ليس لهم اية بصمة او تجربة شعرية مميزة ، وأخيرا لابد لنا القول ، نتاج شاعر يجب وبالضرورة ان يكون نتيجة تجربة الشاعر نفسه ،وليس لآخرين غيره .
المصادر
مجموعة شعرية ( ثلاث شجيرات وثلاثة ضيوف ) للشاعر يونان هوزايا الطبعة الاولى باللغة الكوردية بلهجة بهدينان / حروف لاتينية /الطبعة الاولى 2014 اربيل والطبعة الثانية بنفس اللغة قدم لها الاستاذ فرهاد عوني
من الشعر السرياني المعاصر - ت مهداوي احمد اربيل 2010
جان دمو شاعر اللعنة العراقية ، جريدة الحياة محمد مظلوم له شيعري سرياني هاو چه رخدا وه رگيران مهداوي احمد دَاوُدَ / هه ولير 2011