EnglishالعربيةSyriac

تجربتي مع الاب البير ابونا

16 مارس، 2022

الدكتور انمار عبد الجبار

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله على سلامتكم اخوتي جميعا.

حزنت كثيرا عندما سمعت خبر وفاة الاب البير ابونا الذي كان منارة للعلم لنا نحن الباحثون في مجال الدراسات السامية.

وفرحت كثيرا عندما كتب لي الاستاذ نزار الديراني سائلا هل بالإمكان مشاركتي بكلمة ضمن الندوة التي يقيمها مركز يونان هوزايا للبحوث والدراسات المستقبلية تحت عنوان (البير ابونا في ذاكرة الثقافة العراقية). فكتبت له بالتأكيد يشرفني ذلك لسد الدين في رقبتي له واكتب (تجربتي مع الاب البير ابونا).

لقد بدأت هذه التجربة من خلال نشر بحث لي في مجلة بين النهرين وكنت حينها تدريسي في جامعة القادسية/ كلية الآداب/ قسم الاثار، ابحث عن نشر بحوث لي في مجلات علمية رصينة لغرض تقديمها للحصول على ترقية علمية الى مرتبة اعلا، ومن المعروف ان ادارة المجلة ترسل البحوث الى خبرا لبداء ملاحظاتهم عليها، وتخبر ادارة المجلة الباحث بضرورة تصليح تلك الهفوات ومن ثم ينشر البحث، فقمت بتصليح ما اورده الخبير العلمي من ملاحظات على بحثي، وكنت سعيدا جدا عندما نشر البحث.

بعدها ذهبت الى الهيئة العامة للأثار والتراث لغرض نشر بحث في مجلتهم سومر والتقيت بالمدير العام الدكتور دوني جورج وزودني باستمارات مشاركة بمسابقة دولية يقيمها مركز ابحاث تاري الامريكي ببحث شرطه يختص بموقع ضمن جمهورية العراق، وقمت بالبحث عن موضوع للمشاركة بالمسابقة والتقيت بالأستاذ بنيامين حداد واقترح موضوع بحث عن دير الربان هرمزد في القوش في الموصل شمال العراق، واشتركت بالمسابقة وفزت بالجائزة.

وعندما ادركت أهمية موضوع البحث قمت بتطويره الى كتاب يحمل عنوان (الكتابات النقشية في دير الربان هرمزد في القوش ترجمة وتحليل) ، وعندها ذهبت الى ادارة مجلة بين النهرين وسائلتها عن الخبير العلمي الذي قوم البحث الذي نشر عندهم وذلك لشدة تدقيقه على المفردات من حيث التركيب اللغوي والحركات للغة الآرامية السريانية الشرقية، فأخبروني بانه الاب البير ابونا والذي كان احد اعضاء هيئة تحرير المجلة.

فقمت بالاتصال بالأب البير ابونا طالبا موعدا للقائه وحينها كان مقيما في دير القديسة حنة للراهبات الكلدان في منطقة الكرادة في بغداد وكان ذلك في نهاية شهر تشرين الاول سنة 2007 م.

عند لقائنا رحبي بي كثيرا، وطلبت منه الاطلاع على ما كتبته ووافق متفضلا وقال اتصل بك قريبا، وفي اللقاء الثاني كان يسألني باستحياء العلماء عن الامور التي وقعت بها اخطاء ويقول لي اقراء هذا وما يعني هذا لك وهل هذا صحيح ام يكون ذلك اصح، وكان مبتسما ومسرورا عندما اقراء المفردات السريانية الشرقية وبحركاتها، وبعد اسبوع التقينا مرة ثالثة حيث سلمني الكتاب وعليه التصحيحات.

حينها تشجعت وطلبت منه ان يقوم بكتابة تقديم للكتاب بخط يده فوافق متفضلا بعد ان اقوم بأجراء كافة التصليحات.

وبعد ثلاثة ايام اتصلت به والتقينا واعطاني مجموعة من مؤلفاته كاتبا على الصفحة الاولى اهدائه وتوقيعه ومؤرخه، وسلمني صفحتان بخط يده تقديما للكتاب وتحمل في نهايتها توقيعه ومؤرخه في 8 تشرين الثاني 2007.

ودعا لي بالتوفيق العلمي وانه مستعد في اي وقت ان يقوم بقراءة وتصليح ما اكتبه سوى كان بحثا او كتابا ، وبقيت على اتصال دائما به حتى بعد انتقاله الى كركوك ومن ثم الى اربيل.

بعدها شاركت في مؤتمر اللغة السريانية سنة 2008 في دهوك والذي اقامه الاب شليمون ايشو المشرف العام على دار المشرق الثقافية ، وطلبت منه نشر الكتاب فعندما اطلع عليه ووجد التقديم الذي كتبه الاب البير ابونا له وافق على طباعته الف نسخه واعطاني مكافئه .

اخوتي الافاضل اسمحوا لي ان اقرأ لكم ما كتبه الاب البير ابونا بخطه من تقديم على كتابي:

الصفحة الاولى:

التقديم

وضع الاستاذ انمار عبدالجبار جاسم، وهو استاذ في كلية

الآداب / جامعة القادسية، كتابا أسماه "الكتابات النقشية في دير

الربان هرمزد في القوش" يقع في نحو 260 صفحة من القطع المتوسط

وهو نتيجة جهود كبيرة بذلها المؤلف والمحلل في سبيل جمع هذه النصوص

الكثيرة بنصها الارامي (الاسطرنجيلي عادة) ، ثم نقحرتها، واخيرا ترجمتها الى

العربية. واضاف الى ذلك جدولا بالأفعال الواردة في هذه الكتابات

النقشية والشواهد القبرية، واعطى جذورها الاصلية وحلل تصاريفها.

كما انه زودنا في الاخير بأسماء  اشخاص الاعلام الواردة في هذه الكتابات،

وحاول شرح معانيها حسب أصولها المختلفة.

لاشك ان معظم هذه النصوص- إن لم نقل جميعها- قد اتخذت

مواضيع دراسات وتحاليل وترجمات خلال القرنين الاخيرين . الا أن ما

تميز به عمل المؤلف هنا هو أنه زود القراء بنظرة شاملة وبدراسة منهجية

تناولت الاراميين ولغتهم، وطريقة تطور هذه اللغة خلال القرون الطويلة

وانقسامها الى فئات عديدة وخطوط متنوعة، افضلها واجملها هو الخط

"الاسطرنجيلي" المربع ، الذي تغنى فيه الخطاطون والنساخ، وبه كتبوا

الاسفار المقدسة والكتب الطقسية ثم الكتب العلمية. فانه خط مشترك

بين جميع الاراميين السريان، في المنطقتين الشرقية والغربية.

وحاول المؤلف ان ينقل بأمانة علمية مشكورة جميع الكتابات الباقية في دير

الربان هرمزد ، وهي شهادات دينية وتاريخية تطلعنا على اشخاص عددين قاموا

بدور مهم في كنيسة المشرق وعاشوا في هذا الدير او امضوا فيه فترة من الزمن، منذ تأسيسه قبيل منتصف القرن السابع حتى بعد منتصف القرن العشرين.

الصفحة الثانية:

وتروي هذه النصوص جانبا من حياتهم وشيئا من اعمالهم، وتشير الى مواضيع رقادهم الاخير(اضرحتهم)، وهذه كلها امور تسلط الاضواء على تاريخ الدير والذين عاشوا فيه وتعرضوا احيانا كثيرة لمختلف اصناف الشدائد والاضطهادات وحتى للاستشهاد احيانا. ان هذا، والحق يقال لتراث جميل وغني وجدير بمزيد من

الاهتمام والدراسة . والاسهام الذي قدمه الاستاذ انمار في سبيل المزيد من

التعريف الى هذه التواريخ والاثار، اسهام يستحق كل التقدير والثناء.

لقد لاحظت الروح العلمية المتجلية في استاذنا الجليل، والصبر والدقة

في معالجة هذه النصوص التي فيها من الغوامض والممحوات احيانا ما يجعلها صعبة للقراءة وعسيرة للإدراك، ناهيك عن الاخطاء التي وقعت احيانا عند الخطاط

او الناسخ...

واني اثني كل الثناء على الجهود المضنية التي بذلها المؤلف الصديق والمحاولات

المشكورة التي قام بها في سبيل تقديم هذه الدراسة للأجيال الصاعدة ولجميع الذين هم متعطشون الى معرفة المزيد عن تراثهم العريق. واقدم له كل الشكر عني وعن الذين يهتمون بهذا التراث الشرقي الاصيل، بل يحبونه ويعتزون به ويقدرون جهود جميع المهتمين به وبنشره.

واتمنى للمؤلف الصديق المزيد من الانتاجات العلمية الرصينة والمزيد من

السخاء في تزويد انساننا المعاصر بما يمكن ان يوسع افاقه العلمية بالإفادة من

مختلف انواع التراث في بلادنا وجميع البلدان الاخرى، واتمنى للكتاب انتشارا

واسعا وجزيل الفائدة للجميع.

الاب البير ابونا

بغداد، في 8 تشرين الثاني 2007 .

واخيرا اقول:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.

والمقصود: علم يُنتفع به ان الإنسان إذا مات وخلف كتبًا أو تلاميذ قد انتفعوا به، بقي له الأجرُ مُستمرًّا في التلاميذ وتلاميذ التلاميذ الذين تعلَّموا، والكتب التي ألَّفها، وفي المحاضرات والنَّدوات التي أقامها، وانتفع بها الناسُ، يبقى له أجرٌ.

فقد خلف الاب البير ابونا كتبا وتلاميذ ينتفع بها.

لقد وجدت الاب البير ابونا انسانا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فكان الاب الثاني لي والمعلم الناصح . رحمه الله واسكنه فسيح جناته انه سميع مجيب.